محمد القاسم.. غاليجولا الذي ضحك على ذقون الأشجار

 

بتاريخ 4-9-2012 ، وخلال معركة البريد في مدينة دير الزور، التي خاضها أبناء الحرية ضد عصابات النظام البائد، استراح المسرحي محمد القاسم استراحته المطلقة، انطفأت جمرة الشباب والغضب مع انطفاء عينيه، وصعد إلى الرحمن الرحيم شهيداً، رصاصة في البطن من قناص أولاً، لم تقتله، ولم يسقط سلاحه من يده، زميل صباه وزميل كل أعماله المسرحية عطوان العطوان كان إلى جانبه، تلقى رصاصة ثانية في وجهه الجميل الذي اكتسى مؤخراً باللحية التي زادته جمالاً، ثقبت الرصاصة الثانية خديه، وخضبت لحيته الوليدة بدمه، ولم يسقط إلا بعدما تلقى الرصاصة الثالثة في القلب، سقط هو وعطوان شهيدين، وسقط سلاحهما، سقط السلاح الأخطر وهو الكاميرات التي كانت ترصد الإجرام والتدمير، وشرعا في رحلة الارتقاء.

منذ اللحظة الأولى لانطلاق ثورة الكرامة انخرط محمد القاسم في صفوفها، كان المسرح بالنسبة له رسالة، ولم يعد كذلك، صارت الرسالة واضحة في عينيه المليئتين بجمر الغضب، هو وعطوان أسسا مع آخرين يرأسهم ضرام السفان لمسرح شاب حديث في دير الزور، مسرح مختلف يهدف إلى كسر القيود والأنماط.

شقيقه الروحي المسرحي المهجر يزن المحمد كتب ذات يوم يقول: كيف الفرح يا صاحبي طالما أن ( النص الذي منعوه ) كانت قد انتشلته ( فراشة مغامرة ) وحطت به على يد ( المهرج ) لأنها كانت تعلم انه الوحيد الذي يستطيع أن يصنع الفرح (عندما تبكي الأنهار )، وهكذا كان محمّد، كان يصنع الفرح أينما حلّ، بابتسامته الودودة التي تُريح الأعصاب، وجسده النحيل وشعره الطويل الذي تحول إلى أيقونة مشخصنة بالنسبة له، لها دلالاتها العميقة، أسميناه (سيمون)، لا ندري من منّا فعل ذلك ولا لماذا! كان لقباً للتحبّب على كلّ الأحوال.

ساهم محمد القاسم رغم سنواته القليلة في إثراء المسرح الديري، ونقله مسافات انعتاقية إلى الأمام، كتب مسرحيات، وأخرج أخرى، ومثل أدواراً ثانوية كانت أم الرئيسية، فاستمرار المسرح هو الأهم بالنسبة له، ولعل أميز أعماله كان (كاليجولا) لألبير كامو، إسقاط الطاغية مرّ على ذقون المراقبين ولم يلحظوه، شخص هزيل يصعد المسرح، شخص من الواضح أنه منقوص الشخصية، تصرفات محمد على الخشبة جلبت الضحك المتواصل من الجمهور، سخرية من الشخصية لا من الممثل المحترف، ثم تصل الشخصية المنقوصة إلى الحكم بالوراثة، عندها يتغير، يصرخ باسمه (أنا كاليجولا) مثل جبار عنيد، مثل سفاح انفلت من عقاله، مثل معتوه عظمة لا مجنون عظمة، صوت محمد القاسم فاجأني وفاجأنا نحن أصحابه الذين نجالسه يومياً فكيف بالجمهور؟ ها قد ولد الطاغية.

لم يكن محمد يضحك على ذقون المراقبين فقط هو وصحبه من المسرحيين، كانوا يضحكون على ذقون الأشجار، يجلسون تحتها على شاطئ الفرات، ويدورون حولها مع دوران الظل، لأن المسرحية لم تكتمل بعد، لم يسقط محمد القاسم ولا عطوان العطوان، ولم يُهجر يزن المحمد ولا سواه، لم يمت الأب الروحي لهم كاسر حبّاش الذي سيكون رحلتنا القادمة، إثر خروجه من معتقل الأمن العسكري، كاسر يومها قال لي إنهم أعطبوني فقط ولم يقتلوني، لم يسقط كاسر، لا زلنا نجتمع عنده في البيت رغم أنه صار هو والبيت الذي أحرقوه ذكرى، محمد القاسم (سيمون) الجميل يغفو في ظل الأشجار الآن، لا في ظل الطاغية الساقط.

للتذكرة فقط، هذه بعض الأعمال التي شارك فيها، أو أعدّها، أو كتبه، أو أخرجها:

2000 – 2001 : مسرحية شبابيك – عن المهرج لمحمد الماغوط من إخراج محمد القاسم

2002 : مسرحية نهاية اللعبة – لبيكيت من إخراج محمد القاسم

مسرحية لا تفقأ عينيك يا أوديب – إخراج نشأت مرعشلي

2003 : مسرحية المفاجأة ( مونودراما ) – لزهير البقاعي – إخراج إسماعيل حسو

2004 : مسرحية الانتحار – لماريو فراتي – إخراج محمود الحسن

2005 : مسرحية كاليجولا – لألبير كامو – إخراج إسماعيل حسو

2006 : مسرحية حياة إنسان – ليونيد اندرييف – الإخراج محمد القاسم

2007 : مسرحية الأب – لأوجستن سترندبرج – الإخراج محمد القاسم

مسرحية صنّاع الموت – التأليف والإخراج محمد القاسم

مسرحية سقوط الماتادور – لبسام سفان – إخراج ضرام سفان

2008 : مسرحية ليلة مخمورة – لبسام سفان – إخراج ضرام سفان

2010 – 2011: مازال العمل .. المعاناة .. ( نهاية اللعبة ) لصموئيل بيكيت .. مستمرة .. ولأن نهاية اللعبة قد بدأت.. لأجل أن يتذكروا محمد القاسم.

#صحيفة_الفرات

 

 

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار