مراسل “الفرات” في ديرالزور
لا تزال رائحة التوابل والسمن العربي والسمسم، وأصوات محال الحدادة والنجارة والصوف في ذاكرة أبناء مدينة دير الزور وريفها رغم حجم الدمار الكبير الذي طال السوق المقبي في دير الزور
كعدو طبيعي للتاريخ عمد جيش النظام المخلوع إلى استهداف السوق المقبي وتدمير عشرات المحال التجارية بداخله، إضافة إلى إلحاق الضرر ببنية السوق الأساسية والتي تجاوزت ال 80 بالمئة، ما أدى إلى توقّف الحياة فيه بشكل كامل، قبل أن تعلن المنظمات عن خطة متكاملة لإعادة ترميم السوق وتأهيله تمهيداً لإعادة افتتاحه مجدّداً.
بنيت الأسواق القديمة أواخر الفترة العثمانية سنة 1865م، وذلك عندما عين خليل بك ثاقب الأورفلي قائم مقام لـدير الزور، حيث أنشأ السرايا القديمة التي تضم حالياً مبنى قيادة الشرطة ومتحف التقاليد الشعبية القديمة والبوابة العثمانية ومقهى السرايا.
تتميز شبكة الأسواق القديمة بتخطيطها الشطرنجي في الجهة الشرقية للدير العتيق قديماً، وشكلت جزءاً هاماً من الحياة التجارية في المدينة فهي العصب التجاري للمدينة ونقطة التقاء أبناء الريف فيها، وتشغل الأسواق إضافة إلى الخانات مساحة (11250متراً مربعاً) تقريباً أي ما يعادل 10% من مساحة المركز التجاري لمدينة دير الزور.
إن الطابع العمراني للسوق المقبي غاية في الدقة والتكامل والتنظيم، وتمتد الأسواق باتجاه (شرق – غرب)، (شمال – جنوب) يحدها من الجهة الشرقية حي عبد العزيز، ومن الجهة الشمالية السرايا القديمة، ومن الجهة الغربية شارع الجسر الذي يؤدي إلى حي الحويقة، أما من الجهة الجنوبية فيحدها الشارع العام.
تعود ملكية الأسواق القديمة إلى مجلس مدينة دير الزور، حيث كان قد صدر قانون استملاك الأسواق عام 1980م، وبقيت المحلات بيد أصحابها الأصليين كونها المورد الأساسي الذي يعتمدون عليه في رزقهم.
أصبح لكل سوق اسم خاص به، فمنها ما حمل اسم بعض المدن التي كانت تصل منها البضائع إلى دير الزور لوجود علاقات تجارية قوية معها مثل: (سوق بيره جيك، سوق حلب، سوق بغداد، سوق بيروت)، ومنهم من يطلق على السوق اسم المهن التي يعمل بها أصحاب المحال مثل: (سوق التجار، سوق الحدادة، سوق النحاسين، سوق الخشابين، سوق العطارين، سوق خلوف، سوق عكاظ، سوق الحبال، سوق الحدادة، سوق القصابين)، كما تحمل بعض الأسواق اسماً موسمياً من خلال المادة الأكثر شهرة التي تباع فيها مثل (سوق الصوف، وسوق الحبوب، والكمأة، وسوق السمن) كما تضم الأسواق عدداً من الخانات الأثرية خان براجيك وخان الترك وخان الخشب.
كل هذا التاريخ الجميل من الفترة العثمانية تعرض أولاً للتشويه عبر فساد النظام البائد تحت مسمى التحديث والترميم، ثم تم الانتقام من التاريخ نفسه عبر جيش المخلوع فألحق أضراراً لا توصف بأسواق دير الزور التاريخية وخاناتها ومساجدها.
صحيفة الفرات