بأسلوب بدائي وبمواد مستخرجة من الطبيعة جسد فنانو دورا أوروبوس موقع الصالحية بدير الزور الواقع السياسي والديني والفكري في لوحات جدارية تحكي قصصاً وحكايات ومشاهدات حياتية عاشها أهالي المنطقة في حقب زمنية مختلفة.
أظهرت التنقيبات الأثرية -التي جرت بين عامي 1922-1924 في موقع دورا أوروبوس على الضفة الشرقية لنهر الفرات- لوحات جدارية في مختلف ميادين الحياة اليومية بفعالياتها المختلفة والمعتقدات الروحية التي كانت تمارس من قبل سكان المنطقة، وكان يحرص الفنان في دورا أوروبوس على قوة التعبير عن الواقع في اللوحات الجدارية، متمسكاً بمعيار المشابهة مع الأصل، فقد صور عالم النبات والحيوان والطيور، وكان لحسه الجمالي ومهارته اليدوية وخبرته التقنية القدرة على توثيق الواقع السياسي والديني والفكري، للعصور القديمة والحقب التاريخية التي مرت على المدينة بأسلوب بدائي وباستخدام مواد طبيعية من خلال رسومات منفذة على الجص الرطب وبألوان مستخرجة من التربة.
هذا الموقع بما يحتويه من رسوم جدارية يعدّ واحداً من أهم المواقع الأثرية الرومانية، وأغلب هذه الرسوم محفوظة حالياً في متحف دمشق الوطني، وهي مؤرخة وفقاً للنص الآرامي التذكاري المنقوش باللون الأسود على بعض بلاطات السقف في قاعة دورا أوروبوس في السنة الثانية من حكم فيليب يوليوس قيصر حوالي عام 556 وفقاً للتقويم السلوقي، أي 244-245 وفقاً للتقويم المسيحي، ويبلغ عدد تلك الرسوم الجدارية 28 رسماً توثق مشاهد دينية مذكورة في الكتب السماوية، أهمها أقدم رسم تصويري للسيد المسيح، فضلاً عن تسليطها الضوء على المراحل الأولى من تطور فن الرسم المسيحي – الروماني
يبدو الفن في دورا أوروبوس مختلفاً عن باقي المواقع الأثرية في منطقة الفرات الأوسط؛ هذا ما أوضحه الباحث الأثري يعرب العبد الله في تقرير نشره بتاريخ 15 شباط 2010، ويقول: يعكس هذا الفن عناصر وثقافات مختلفة، فوجود اليونان والفرس والرومان والبربر القادمين معهم، وعدة ديانات بدءاً من بعل والآلهة السورية المحلية والآلهة الفارسية والرومانية واليونانية وصولاً إلى المسيحية، أدى إلى تمازج ثقافات متعددة خلقت حالة فريدة من الفن، منها: رافدي، وفارسي، ويوناني يتميز بطابع شرقي قديم ويبدو فيه التأثير التدمري واضحاً من خلال الرسومات الجدارية التي عثر عليها في المعابد والحمامات والبيوت السكنية، فألوانها تشبه السجاد تضم الأحمر والأخضر والأسود والأصفر، وغلب عليها صور أشخاص ببزاتهم العسكرية وصور حيوانات ونباتات متنوعة، ومن أهم اللوحات الجدارية رسم تصويري للسيد المسيح وهو يقوم بشفاء المُقعد، وهذه اللوحة موجودة حالياً في جامعة يال الأميركية.
ويضيف: اللوحات النذرية ومشاهد التضحية تنوعت حسب المعتقدات الدينية، حيث إنه كان في دورا أوروبوس خمس ديانات على الأقل في كل فترة، فعثر على رسوم تحاكي الفن التدمري تظهر رسومات الآلهة وهم يحملون السلاح ويرتدون الدروع مستندين إلى رماحهم، فلوحة الإله كانون وأولاده تبدو صور الأشخاص فيها محددة تحديداً كاملاً، وكل واحد منهم يحتفظ بفرديته رغم قيامهم بعمل مشترك، وفي لوحة في معبد بعل يظهر الإله بعل يحيط به شريكاه يرحبول وعجلبون بلباسهما العسكري، كما أن اللوحة التي عثر عليها في معبد زيوس ثيوس تبدو فيها ربة النصر مع أشخاص واقفين بلباسهما الطويل وعمائمهم الإسطوانية الطويلة، وفي رسوم أخرى يظهر فيها النمط واللباس الفارسي حيث عثر على لوحتين جداريتين إحداهما تمثل كاهناً سورياً، والثانية تمثل ضابطاً رومانياً يقدم التضحية لآلهته.
الفرات