الرقة، اسم مكان وتلفظ بفتح الراء وتشديده في المعاجم، وتعني لغوياً كل أرض إلى جانب النهر يمتد عليها الماء، أيام المد، ثم ينحسر، وجمعها رقاق، والواحدة منها رقّة، والرقة هي أيضاً الأرض اللينة التراب، وقال الأصمعي: الرقاق، الأرض اللينة من غير رمل، وأنشد:
كأنها بين الرقاق والخمر إذا تبارين شآبيب مطر
والرقة رقتان؛ الرقة البيضاء والرافقة، أو الرقة السمراء والرقة الحمراء، أو الرقة البيضاء والرقة السوداء، وآخر هذه الرقاق رقة واسط في الجهة الشامية ورقة الرشيد الواقعة بين الضلعين الشرقي والشمالي لسور الرافقة وتوتول (تل البيعة)، وقد ذكر ياقوت الحموي الرقتين، وقال: «إنهما الرقة والرافقة»، والرافقة في بنائها تعود للفترة العباسية، وهي المدينة التي بناها المنصور، ويقول ياقوت بهذا الصدد: «.. أظنهم ثنوّا الرقة والرافقة كما قالوا: العراقان للبصرة والكوفة». وقد أورد ياقوت بيتاً من قصيدة للشاعر الرقي عبيد الله بن قيس الرقيات حيث يقول في قصيدة وجهها إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب مطلعها:
ذكرتك أن فاض الفرات بأرضنا وجاش بأعلى الرقتين بحارها
ويعود تاريخ بناء الرقة البيضاء، إلى عام /280/ق.م (الفترة الهلنستية)، وقد سماها الإغريق بـنيقوفوريوم وتعني (هبة المنتصر)، وفي الفترة الرومانية أطلق عليها إسم كالينيكوس، وفيما بعد أطلق عليها العرب السريان اسم الرقة البيضاء، وهي ذاتها مدينة الرقة التي فتحها العرب بقيادة عياض بن غنم سنة /17/هـ/639/م، وهي ذاتها التي استقبلت مجموعات كبيرة من العرب المسلمين الجدد، الذين أقاموا فيها جنباً إلى جنب، مع أخوتهم من العرب المسيحيين، وهؤلاء كانوا سكانها الأصليين، والجميع شرعوا في بناء مدينتهم، التي اتسعت رقعتها، وأصبحت فيما بعد سبع مدن متجاورة، ولقد أتينا على ذكرها فيما سبق من كلام، وبذلك كانت الرقة قاعدة ديار مضر في الجزيرة السورية العليا.
وفي الرقة مقبرة أويس القرني، التي تعتبر من المقابر الأولى في العصر العربي الإسلامي، حيث دفن فيها الصحابي الجليل عمار بن ياسر، والتابعي أويس القرني والصحابي أبي بن كعب، وقبلهم عاش ومات فيها صاحب رسول الله وابصة الأسدي (رضي الله عنهم جميعاً)، ومشى على أرضها الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام). ومن المساجد الأولى التي شيدت في الرقة البيضاء، نأتي على ذكر مسجدها الكبير، الذي يعتبر من المساجد الأولى في الإسلام وكان يسميه أهل الرقة (جامع المنيطير) ومساحته /100×100/م وهي نفس مساحة مسجد المنصور بـالرافقة (الرقة الحالية)، وقد شيد مسجد الرقة البيضاء سنة /20/هـ/641/م، وذلك في عهد واليها الثاني سعيد بن عامر بن حذي، أيام الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه). ومن المساجد الأخرى التي شيدت في الرقة البيضاء، المسجد المعلق، ومسجد الجنائز، ومسجد ابن الصباح، ومسجد قريش، ومسجد بني وابصة.. وبالقرب من مسجد قريش شيد بنو أمية دار الرماح، وكانت أحد الدور العظيمة، وأحد المعالم البارزة في الرقة البيضاء.
وكان أكبر وأعظم أسواقها سوق هشام العتيق، وقد ذكره ياقوت الحموي بقوله: .. وكان سوق الرقة الأعظم، فيما مضى، يعرف بسوق هشام العتيق»، ياقوت الحموي، معجم البلدان، مجلد /4/ ص/208/، وكان فيها أسواق أخرى مثل، سوق الأحد، وسوق البزازين.
هذا وقد اشتهرت الرقة بتصدير الصابون والزيت وأقلام الرصاص وصناعة ريش الكتابة المعدنية. كما اشتهرت الرقة بصناعة الأدوية، ويذكر ابن الفقيه في كتابه مختصر البلدان، ط ليون بفرنسا سنة /1302/هـ ص/134/، شهرة بعض المحلات في أسواق الرقة ببيع دهن يسمى (الخطارة) وهو دواء يستعمله الناس لدواء أمراض (الروماتزم والنقرس).
وحين استلم العباسيون دفة الخلافة، أمر الخليفة المنصور ابنه المهدي ببناء مدينة بالقرب من الرقة البيضاء على أن تكون رفيقة لها، وسماها الرافقة، والتي انتقل إليها اسم الرقة فيما بعد. لقد شيد المهندس أدهم بن محرز مدينة الرافقة على بعد /300/ ذراع غرب الرقة البيضاء، وجعل لها مخططاً على شكل نعل الفرس، يلفها سور شيد من مادة اللبن، ولفح بمادة الآجر المحروق، طوله /5 كم/، وبعرض /6 م/، وارتفاع/9 م/ تقريباً، وجعل له ثلاث بوابات، لم يبقَ منها سوى واجهة باب بغداد في الزاوية الجنوبية الشرقية من سور المدينة. كما أمر الخليفة المنصور، ببناء مسجد كبير أبعاده /100×100/م، وهو يشبه مسجد الرقة البيضاء في أبعاده، كما شيدت مجموعة من القصور، لم يبقَ منها إلاَّ قصر البنات، الذي حول في القرن الثالث عشر ميلادي إلى مدرسة طبية (بيمارستان).
لقد أكثر الشعراء الذين عاشوا في الرقة على مر العهود، من ذكرها ووصفها والتغني بها من ذلك قول ربيعة الرقي:
حبذا الرقة داراً وبلد بلد ساكنه ممن تودْ
ما رأينا بلدة تعدلها لا ولا أسْمَعنا عنها أحد
وقال الصنوبري في وصف الرقتين:
واهاً لرافقة الجنوب محلّةً حَسُنَتْ به أنهارها وجنانُها
يا بلدةً ما زال يعظم قدرُها في كل ناحية ويعظم شأنها
أما الفرات فانه ضحضاحها أما الهني فانه بستانها
وكأنّ أيام الصبا أيامها وكأنّ أزمان الهوى أزمانها