كانت الرقة عبر العصور القديمة, ذات أهمية كبيرة في كافة المجالات, وفي العصور الإسلامية لمع نجمها وتبوأت مكانة طيبة, خاصة أنها كانت مركزاً عسكرياً ممتازاً, ومنطقة تجارية ذات أهمية، فيها الخيرات الكثيرة، رخيصة الأسعار، متوسطة الموقع.
وفي الفترة العربية الإسلامية, أصبحت الرقة مركز إشعاع فكري وعلمي, إذ تخرج من مدارسها أدباء ولغويون, شعراء وفقهاء وقضاة وفلاسفة وأطباء ومحدِّثون، وظّلت الرقة حتى خرابها على يد الغزاة التتار في عام /1259/ م, نشيطة في حركتها العلمية والأدبية, وتشارك في الحركة العلمية طوال العصور الإسلامية اللاحقة مشاركة واسعة.
…وترجم ابن أبي أصيبعة لطبيبين رقيين هما: عيسى الرقي، وأبو بكر محمد بن الخليل الرقي
كانت الرقة في العصرين الأموي والعباسي مركزاً هاماً من مراكز العلم، والأدب، والمثير للعجب أنَّ أغلب المؤرخين حين يذكرون مراكز العلم والأدب وخاصة في العصر العباسي, يعدون بغداد، والكوفة، والبصرة، ودمشق، والقاهرة فقط, ويغفلون اسم الرقة التي يشرف التاريخَ اسمُها، وهي المدينة التي نبغ اسمها في كافة المجالات, وأبناؤها يحملون نسبتهم إليها الرقّي، أو الرقّيون, من الفقهاء والعلماء والأدباء والشعراء, وصناع الفخار والزجاج الرقي الذي اشتهرت به هذه المدينة عبر تاريخها الطويل المعطاء. والرقة في مختلف عصورها, اجتذبت أدباء وشعراء وكتاب وعلماء وفقهاء من مختلف أنحاء الخلافة, إذ أنَّ بعضهم أقام فبها طوال حياته, ومنهم من أقاموا مدداً مختلفة.
الرقة الحديثة
وكل من عاش في الرقة وشرب من ماء فراتها العظيم، واستنشق هواءها العليل من الأدباء والشعراء إلاَّ, وقد ذكرها في شعره وكتاباته, وجميعهم تغنوا بطبيعتها وبغزلانها, وتغزلوا بحسانها, وبعضهم افتخر في إقامته بـالرقة, وعدّوها وطناً لهم أحبّوها وخدموها حتى الرمق الأخير من حياتهم.
لقد قام الأدباء والشعراء والمفكرون الذين أقاموا في الرقة, بتغذية الحركة الفكرية والأدبية فيها, وأبدوا تعاوناً طيباً مع أدبائها ومفكريها, وهذه الحالة من التعاون المثمر بين أولئك وهؤلاء, خلقت مناخاً فكرياً وعلمياً واسعاً, تميزت به الرقة عن غيرها من المدن الأخرى. وفي زمن الرشيد عاشت الرقة أيام العروس, وعرفت مجدها التليد, وأنَّ مَنْ وقف على باب قصريْ هشام, وهما الهني، والمري في واسط الرقة، وفيما بعد على أبواب قصر الرشيد, ومن رافقه من بغداد إلى الرقة، كانوا يشكّلون جيشاً من الأدباء والمفكرين, وهم كثر منهم: عبد الله بن عمر بن أبي الوليد الأسدي، ولد سنة /105/ للهجرة, وتوفي سنة /180/هـ في الرافقة، الرقة, وكان عبد الله محدّث الجزيرة السورية ومفتيها. عبيد الله بن علي الرقي، عاش في الرقة، وتوفي فيها, كان إماماً في اللغة العربية، وضليعاً بالعلوم الأخرى يحيى بن البحتري، حسب ابن عساكر هو: الوليد بن عبيد بن يحيى بن عبيد بن شملان بن طي بن قحطان, مات في الرصافة سنة /291/هـ . وفي تاريخ بغداد جاء: «أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد المظفّر الدّقّاق، قال: أخبرني بن يحي قال: …أملى علي أبو الغيث يحيى ابن البحتري نسب أبيه الرقة.