لم يدون من الأغنية الشعبية الفراتية سوى ما قام بجمعه الأستاذ عبد القادر عياش حيث يضم كتابه غزليات من الفرات مجموعة من الأغاني الشعبية الفراتية، وقد تم جمعه عن طريق الرواية الشفوية سواء من الأشخاص المعمرين أو من خلال المغنين في ذلك الوقت ولكنها فقدت الكثير ، بعد ذلك جاءت مرحلة التسجيلات التي وثقت الكثير من الأغاني وساعدت في نقلها وانتشارها، إلا أن غياب العمل التدويني الموضوعي أثر على مصداقية المعلومات حول بعضها، ربما بسبب قلة وعينا بأهمية التدوين والتوثيق الدقيق.
يقول الباحث في التراث سعيد حمزة : معظم الأغاني الشعبية القديمة والحديثة وضعت ألحانها على إيقاعات سريعة إلا أن ذلك ليس قاعدة فارتبطت بمناسبتها.
ويضيف حمزة: أعتقد أن العرس كان المصدر الرئيس للكثير من الأغاني الشعبية، لذلك يعزى إليه الإيقاع السريع الذي يراد منه مجاراة أفراح أهل العريس والعروس والمدعوين، وإيجاد توافق مع طقوسه من دبكات ورقصات فلكلورية ما زالت حية إلى يومنا هذا، لذلك نجد تناسب الإيقاع بحسب المناسبة التي تغنى فيها الأغاني، ولكن فيما بعد برزت ظاهرة كاتب الأغنية والملحن كصفة فنية لصيقة ببعض الأشخاص أثرت على ارتباط الأغنية والإيقاع بمناسبة معينة، فأخذ مزاج الشاعر يطغى عليها، فيوظفها بحسب حالاته النفسية والشعورية.
وعن أثر البيئة تابع حمزة : أثرت البيئة الفراتية في الفن الغنائي بدير الزور نتيجة تعدد الحضارات التي سكنت وادي الفرات، ما أدى إلى تفرد المدينة بلهجة خاصة تحتوي مفردات من البداوة والريف، إضافة إلى اختلاف ألوان غناء سكان الضفة اليمنى من النهر عن الضفة اليسرى، ليصل إلينا الغناء الفراتي وهو يحمل من بيئة النهر والسهل والبادية الكثير، ويعبر عن عالم خاص بأهالي المنطقة حيث يصف فرحهم ايام حصاد القمح، وحزنهم أيام فيضان نهر الفرات، ويصور لوعة المحبين وآلام الفراق.
وجدير بالذكر أن اكتشاف التمثال الذي يصور اورنينا مغنية المعبد في مدينة ماري بدير الزور، كان أول اكتشاف لأول مغنية في العالم دليل على قدم الغناء في منطقة الفرات. وأن أبرز الآلات الموسيقية المرافقة لهذه الأغاني هي آلتا الربابة، والشاخولة، إلا أن دورهما انحسر بعد ظهور آلة الأورغ، وأصبحت هذه الآلات القديمة تستخدم في معظم الأحيان في المهرجانات التراثية ذات الطابع الثقافي السياحي.