أخرجت نادين دفتر الرّسم؛ ووضعت صورة العجوز أمام معلّمتها.
دُهِشَتْ الآنسة أمل لدقّة الرّسم، وبراعة نادين في تصوير أدقّ التّفاصيل؛ التّجاعيد.. العينان الصّغيرتان العميقتان الغائرتان.. الدّموع الّتي سالت تحفر مزيداً من تجاعيد المعاناة… الشّفاه الخشنة المتشقّقة.. الغصّة العالقة في الحلق.. النّظرات الحائرة.
قاطعت نادين شرود الآنسة أمل في الّلوحةقائلةً؛ والدّموع تنهمر من عينيها كالمطر:
حاولتُ أن أغيّر ملامح الألم في الّلوحة فلم أستطع يا آنستي.. حاولتُ تزييفها.. أمسكتُ الممحاة.. مسحتُ الدّموع فلم تتغيّر الملامح…
أجريتُ تعديلاً على ملابسها الباهتة البالية لتبدو أكثر أناقةً وأزهى ألواناً .. لكنّ هذا لم يغيّر شيئاً.
مسحتُ الحزن الّذي يلوّن شفتيها.. استبدلته بابتسامةٍ فبدتْ الابتسامة كقطعةٍ متحجّرةٍ وُضعَتْ في غير مكانها..
لم أنجح بتحويل الألم في لوحتي إلى فرح يا آنسة!
أجهشت نادين بالبكاء وارتمت في حضن معلّمتها.
مسحتِ الآنسة أمل على رأس نادين بحنّوّ وهمست في أذنها :
لن تستطيعي رسم السّعادة على الشّفاه يا عزيزتي… وتغيير الملابس يا نادين لايجدي نفعاً.
رسم ابتسامةٍ عريضةٍ على شفاه مكبّلة بالمرارة لن يغيّر من الأمر شيئاً.. السّعادة يا عزيزتي في القلب
نشعر بها… ولا نستطيع لمسها..
فإن أردتِ رسم الفرح على ملامح تلك العجوز.. كان ينبغي عليك يا عزيزتي أن تسارعي نحوها.. تقتربي منها.. تمسحين دمعتها بيديكِ الصّغيرتين الدّافئتين… تحاولي مساعدتها على قدر استطاعتك..
هكذا وفقط تستطيعين استبدال الألوان الدّاكنة في لوحتك بألوان زاهية تسرّ القلب.
نظرت نادين إلى معلّمتها بعمق… كما لو أنّها تحفظ الدّرس الجديد… أجل يا آنستي.. سأرسم السّعادة والخير بأفعالي
لتستطيعَ يدي رسم كلّ جميل… ولتكونَ ألواني أبهى.
أمسكت نادين دفتر الرّسم… قلبتِ الصّفحة… لتجد أمامها صفحةً بيضاء تنتظر ألواناً أكثر إشراقاً.
*سهام السعيد