ستون عاماً من العزلة.. عندما كان الدولار رمزاً للخوف

 

 

لم يكن سقوط نظام الطاغية بشار الأسد في الثامن من كانون الأول 2024 تحولاً سياسياً فقط، بل كان زلزالاً حرر السوريين فكرياً واجتماعياً واقتصادياً وفي جميع المجالات، كان حياة جديدة وهبت إلى السوريين.

انتصار الثورة على المستوى الاقتصادي حررنا من قبضة اقتصاد الخوف الذي فرضه النظام البائد لعقود، فقبل هذا التاريخ كان التعامل بالدولار الأمريكي جريمة يعاقب عليها القانون بموجب مراسيم تشريعية صارمة، كانت تهدف في الظاهر إلى حماية الليرة السورية المنهارة، بينما كانت في الحقيقة أداة لسيطرة الأجهزة الأمنية التي تحتكرها هي ومن تحميه من كبار اللصوص والتجار الفاسدين.

كان المواطن السوري يعيش في مفارقة اقتصادية مؤلمة، فبينما كانت كل السلع والبضائع تسعر فعلياً بالدولار في السوق، كان يمنع عليه حتى ذكر الكلمة علناً، كان التجار يضطرون لتسعير بضائعهم بالدولار ثم تحويلها إلى أرقام خيالية بالليرة السورية عند البيع، في عملية معقدة ومحفوفة بالمخاطر.

من كان يجرؤ على التعامل المباشر بالعملة الصعبة، فمصيره التحويل إلى فروع الأمن سيئة السمعة، مثل فرع الخطيب 251 أو الفرع215، حيث كانت تصادر أمواله وتفرض عليه عقوبات قاسية، ليتحول الأمن إلى شريك قسري في الاقتصاد السري.

مع سقوط النظام، تبددت هذه القيود الأمنية والاقتصادية، وأصبح التعامل بالدولار أكثر انفتاحاً وشفافية، ما أدى إلى استقرار نسبي في سعر الصرف وتخفيف الضغط عن الليرة، وقد تجسد هذا التحرر الاقتصادي في ظاهرة لافتة تمثلت في الانتشار الكثيف لشركات الصرافة والحوالات المالية، فما إن تسير في أي حي أو شارع حتى تشاهد العديد من الصرافين وشركات الصرافة، في مشهد يعكس تعطش البلاد لآليات مالية شرعية وشفافة.

إن الثامن من كانون الأول يمثل بداية مرحلة جديدة يسعى فيها السوريون إلى بناء دولتهم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وفكرياً بعد ستين عاماً من العزلة عن العالم، والتغييب والتجهيل والفساد الذي مارسه النظام البائد.

كان الدولار رمزاً للعزلة ورمزاً للخوف مثله مثل أي علاقة شفافة وحقيقية مع السلطة ومع العالم، كان سرياً وممنوعاً على الناس، بينما هو علني لبضعة من آل الوحش وعبيدهم من التجار والضباط الذين يحتكرون كل شيء حتى حليب الأطفال.
الفرات

 

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار