تل حلف في الحسكة.. بدايات الحضارة البشرية

يعد تل خلف في منطقة رأس العين بالحسكة من اقدم المناطق الحضارية في تاريخ الحضارات البشرية وأظهر التنقيب في هذا التل طبقات حضارية متعاقبة ومنحوتات بازلتية جميلة كانت تزين جدران مباني المعبد والقصر.

وعثر في تل حلف على الكثير من المكتشفات الهامة مثل الاختام وقطع من البرونز والعقود والاساور والخواتم والحلى المنوعة تعود للعصر الارامي ومقبرة تعود لعصر كامارا ومعبد آشوري ومصنوعات من العاج والعظام ومنحوتات بازلتية مثل العربات التي تجرها الاحصنة والتماثيل وغيرها.

تم اكتشاف الموقع من قبل العالم الألماني ماكس فون اوپنهايم من خلال أسبار أجراها عام 1899، بعد إبلاغ بعض المواطنين له بوجود تماثيل في منطقة تل حلف، وحفريات أخرى قام بها بين الأعوام 1911 و1913 و1927 و1929. وقد دلت التنقيبات الأثرية أن الاستيطان ابتدأ في الموقع منذ الألف السادس قبل الميلاد، ثم أصبح مستوطنة مزدهرة في الألف الخامس قبل الميلاد، قبل أن يغدو في مطلع الألف الأول قبل الميلاد، عاصمة لمملكة بيت بحياني الآرامية والتي تعد الأقوى بين ممالك الشمال الآرامية، وكان اسم المدينة عندها (جوزانا).

تطورت حضارة تل حلف  من النيوليتي الثالث في هذه الموقع بدون أي انقطاع كبير، ازدهر موقع تل حلف من حوالي 6100 إلى 5400 ق.م.، وهي الفترة الزمنية التي يشار إليها باسم فترة حلف. حضارة حلف أعقبتها في شمال بلاد الرافدين حضارة عبيد. وهـُجر الموقع بعد ذلك لفترة طويلة.

وفي القرن 10 ق.م.، اتخذ حكام المملكة الآرامية الصغيرة بيت بحياني عاصمة ملكهم في تل حلف، التي أعادوا تأسيسها تحت اسم جوزانا. الملك كپارا بنى ما سمي بيت حيلاني، وهو قصر على الطراز الحيثي الجديد بزخارف سخية من التماثيل و orthostats البارزة.

وفي عام 894 سجل الملك الآشوري حدد نيراري الثاني الموقع في سجلاته كأحد المدن-الدول الآرامية الدافعة للجزية. وفي عام 808 اُحيلت المدينة ومحيطها إلى مقاطعة في الامبراطورية الآشورية. وكان مقر حاكم المقاطعة قصر في الجزء الشرقي من ربوة القلعة. جوزانا ظلت حية بعد انهيار الإمبراطورية الآشورية وظلت مأهولة حتى الفترة الرومانية الپارثية.

قام سكان تل حلف بزراعة الأراضي الجافة. وقد اعتمد هذا النوع من الزراعة على استغلال الأمطار بدون مساعدة من الري، وهو نشاط مماثل لما يقوم به هنود هوپي في أريزونا حتى اليوم. وقد زرعوا Emmer wheat، وهو شعير ذو صفين وflax. وقد احتفظوا بالماشية والأغنام والماعز.

وأظهرت الحفريات مدينة تعود إلى العصر الحديدي، لها مخطط مستطيل مساحته (600×300 متر) محاطة بنظام دفاعي من الأسوار المتضمنة أبراجاً ذات مسافات منتظمة. تحيط المدينة الخارجية بالمدينة الداخلية ذات المساحة (150×200 متر)، والموجودة في الجهة الشمالية المركزية، والتي تقوم فيها الأبنية الهامة كالقصر والقلعة.

وقد أمكن حصر فترتين رئيسيتين من استيطان الموقع، الأولى هي فترة تمتد من أواخر الألف السادس قبل الميلاد، وحتى منتصف الألف الخامس قبل الميلاد، وقد وجدت فيها مساكن مستديرة وآنية فخارية جميلة دقيقة ومتعددة الألوان، بينها مجموعة كبيرة مزخرفة بطلاء جميل لامع أقرب إلى التزجيج، مصقولة أو مزينة بأشكال هندسية ونباتية وحيوانية وإنسانية، وهناك أيضاً مجموعة مميزة من الأواني الحجرية والنحاسية والصوانية، وتماثيل مصنوعة باليد. ولتميز المجموعة الفخارية فقد أطلق اسم الموقع على الفخار المشابه أينما وجد، وأصبح يعرف باسم فخار تل حلف، والذي وجد مثيله في مواقع عديدة منتشرة في شمال سورية والعراق وحتى بحيرة وان في قلب القوقاز. ومن أشهر هذه المواقع السوية الرابعة في رأس شمرة، و تل عربجية وتل ياريم تپه في العراق. وقد عثر على هذه الطبقة على عمق 22 متر شمالي سفح التل.

ويبدو أن الموقع قد تم هجره حتى الفترة الثانية من بداية الألف الأولى قبل الميلاد، عندما أصبح تل حلف أحد الممالك الآرامية في شمالي سورية، وعرف في السجلات الآشورية باسم جوزانا، والتي هي مركز منطقة بيت بحياني الآرامية، وفي القرن الثامن قبل الميلاد أصبحت جوزانا مقاطعة آشورية.

لقد نُقلت معظم  المنحوتات إلى متحف برجامون في برلين، وعرضت في جناح خاص سمي “متحف حلف” ورغم تدمير المتحف في الحرب العالمية الثانية، فقد بوشر في السنوات الأخيرة بإعادة ترميم ما تبقى من هذا الجناح، أما المنحوتات الأخرى فهي موجودة في متحف حلب.

تظهر هذه المكتشفات تميز صناعة المنحوتات في تل حلف وشمال سورية، عن فنون باقي المنطقة، وتمتعها بخصوصية لافتة، مما دفع إلى الاعتقاد باختلاف الموروث الحضاري لهؤلاء الفنانين، في فترة ازدهار مملكة بيت بحياني وعاصمتها جوزانا، التي كانت أكبر وأقوى الممالك الآرامية في الجزيرة السورية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار