أوجد نهر الفرات في دير الزور ترابطاً ما بين الإنسان والطبيعة، أدى إلى خلق وتكوين أروع وأعظم المعتقدات الإنسانية حول قدسية الماء.
ويعتبر نهر الفرات من المياه العذبة، وتعود تسمية الفرات إلى كلمة آرامية وتعني الخصب والنمو، وله في الدير أساطير تقديس مائه حيث يعتقد البعض أنه يستطيع حل الكثير من العقد ودفع الشؤم.
يعتقد سكان الدير أن مياه العالم تختلط مع بعضها بعضاً ليلة النصف من شعبان وهي ليلة فضيلة وأن مياهاً من الجنة تصب فيها، ولهذا يسهر الناس تلك الليلة ويسبحون في النهر نساء ورجالاً إذا كان الطقس مناسباً للتبرك
ولا يزال أهالي الدير يتباركون بنهر الفرات لكونه من الأنهار المقدسة التي شابت حضارات العالم القديم، ويعتقد الأهالي بقدسيته لأنه نهر جارٍ يحمل صفات الحياة، على عكس الماء الراكد الذي رفضته الديانات القديمة والذي يرمز إلى الظلام أو الموت.
قديماً كان رواد المقاهي الصيفية الجراديق في العشيات من كل يوم خميس يضعون شموعاً منيرة على لوح صغير من الخشب تتهادى فوق لجة النهر منحدرة مع المجرى، وهي نُذرٌ قديمة يقدمها الأهلون وخاصة النساء إلى خضر الياس إله الماء وكان القصد من هذه الشموع المقدمة نذراً أن تنير ليل الخضر وهو لا يتطلب أكثر منها لأنه ناسك وعبد صالح.
إن منظر هذه الشموع المنيرة وسط النهر في العشية لا يخلو من البهجة في نفوس الكثيرين من الناظرين إليها فيتابعونها بأنظارهم إلى أن تغيب عنهم.
بعض العادات والتقاليد الشعبية تنقل لنا أحقاباً زمنية متناهية في القدم ذكرها المرحوم الباحث عبد القادر عياش في كتابه بقايا معتقدات من الفرات حول تقديس الماء بالقول: يعتقد سكان الدير أن مياه العالم تختلط مع بعضها بعضاً ليلة النصف من شعبان وهي ليلة فضيلة وأن مياهاً من الجنة تصب فيها، ولهذا يسهر الناس تلك الليلة ويسبحون في النهر نساء ورجالاً إذا كان الطقس مناسباً للتبرك.
وأضاف عياش بالقول: عندما يكون الناس في النهر يغطسون ثلاث مرات وفي كل مرة يقولون هذا حقك يا مية وكأن الغطس فرض، كما يعتقد السكان بأن النهر آهل بمخلوقات من الإنس والجن تخرج من وقت لآخر لتدير دواليب الماء الموضوعة على ضفة النهر لسقاية البساتين، إضافة إلى اعتقاد السكان بخضر الياس وينذرون له الشمع بين 3- 12 شمعة تحمل على ألواح خشبية وتشعل ليلة الجمعة وهي أفضل الليالي ليسبح فيها شخص في النهر ويرميها وسط التيار.
وأشار الباحث الاجتماعي عباس طبال إلى قدسية الماء لدى سكان الفرات فقال: إلى مدة قريبة كان مريدو التكية بدير الزور عندما يفيض النهر ويخشى من ارتفاع منسوب مياهه يخرجون في موكب كبير مع حشود من الشعب، فيتوقف الموكب على ضفة النهر عند الجسر الكبير ويسأل الله الجميع أن يوقف الفيضان وأن تنحسر مياهه.
وبين طبال بالقول: توجد عين ماء بالقرب من الميادين تسمى عين علي نسبة إلى الخليفة علي بن أبي طالب، ولهذا يلجأ أهالي الدير إليها للتبرك فيها، ويعتقد أن ماءها يأتي من بئر زمزم في الحجاز فيسبحون فيها وينحرون عندها الخراف، ومن معتقداته أيضاً عندما يجري أناس عقد زواج إلى شخص ما، ويوجد بين الحاضرين شخص لا يحبه، يطبق مقصاً أو موسى كان أحضره معه مفتوحاً بجيبه أو قفلاً صغيراً يقفله، وبعد إجراء العقد يذهب الشخص إلى النهر فيلقي بأداته فيه، وبذلك يسحر المعقود له، فإما يفسخ العقد، وإما يعجز العريس عن إتيان زوجته مدة تطول أو تقصر.
يقال إنه عند قدوم العروس لأول مرة إلى بيت زوجها وحين تهم باجتياز عتبة الدار يعطونها جرة مملوءة ماء تأخذها بيدها اليمنى وتضرب بها الأرض ليكون قدومها بركة لا شؤماً على أهل البيت، كما تعبر العروس في ليلة زواجها النهر خشية أن تكون مسحورة.
اسماعيل النجم