يعد قلب دلال القهوة العربية إرثاً توارثه الأجيال ، فقد كان في الماضي البعيد إشارة واضحة للتعبير عن الحزن والأسى، كما ان العمود الوسط الذي يسند بيت الشعر، هو ركن مهم وأساسي لحماية البيت، لذلك فإن إنزال العمود يعد حداداً على فقدان كبير القرية، وإشارة إلى أنه بمنزلة قيمة وأهمية العمود، ويستمر الإنزال عدّة أيام، حسب فترة العزاء والحداد في تلك المنطقة أو القبيلة
ومن عادة البدو في القديم، أنهم إذا فقدوا شيخاً أو فارساً شجاعاً أو كريماً جواداً، سواء من قبيلتهم أو من غيرها، فإنهم في أول عيد بعد وفاته يقومون بتجميع دلال القهوة ووضعها مقلوبة في الموقد، وعدم تحضير القهوة أو تقديمها للضيوف طيلة أيام العيد، وفي هذا إشارة إلى حزنهم على من فقدوه، وهذا عرف لدى غالبية القبائل البدوية، لم يبقَ هذا العرف سائداً منذ زمن طويل، لكنه حصل في فترة زمنيّة، لذلك كانت الإشارة إليه، لتتعرف عليه الأجيال الحالية وحتّى اللاحقة.
وبالرغم من عراقة هذا الإرث الاجتماعي المتمثل في قلب دلّات القهوة العربية، إلا أنه بات غريباً لدى الأجيال الحاليّة، وقد وثق الشعراء الكثير من ذكريات الماضي البعيد، خاصة شعراء البادية، ومنهم الشاعر إبراهيم الساير الذي تصدى لتوثيق تأريخ وتاريخ المنطقة شعراً ونثراً.
يقول الساير: (هناك سبب آخر يتعلق بقلب الدلات، كان يحصل أيضا عندما يتعلق الأمر بالشرف والعرض، طبعاً كانت للدلات الكبيرة، ولا تعاد الدلة لوضعها المعهود إلا إذا انتهى الأمر بإحقاق الحق، اتجه الأهالي حينها إلى هذا القرار، لما للقهوة العربية من أهمية وقيمة ورمزية، وتلك الرمزية المتعلقة بالقهوة العربية حاضرة حتّى يومنا هذا، لكن قلب الدلة غير قائم، وزال ذلك منذ فترة بعيدة).
تنكيس العمود
إذا فقدت العشيرة كبيرها وأحد رجالاتها، الذين لهم بصمة وصدى بين عشيرتهم وعلى مستوى القبائل عامة، فيتم إنزال عمود بيت الشعر، يقول عن ذلك الساير: (العمود الوسط الذي يسند بيت الشعر، هو ركن مهم وأساسي لحماية البيت، لذلك فإن إنزال العمود يعد حداداً على فقدان كبير القرية، وإشارة إلى أنه بمنزلة قيمة وأهمية العمود، ويستمر الإنزال عدّة أيام، حسب فترة العزاء والحداد في تلك المنطقة أو القبيلة).
الباحث في التراث الشعبي عايش كليب، أكّد من جانبه موضوع قلب الدلات في قديم الزمان، ويقول: (شهدت المنطقة قبل عشرات السنين، تلك الظاهرة، حيث كانت ردّة فعل لحادثة معينة جسيمة على الأغلب، وتعود دلة القهوة العربية لوضعيتها الطبيعية، عندما تعود الأمور إلى نصابها بالنسبة للقرية، وينتهي وجعها، أو ينتهي الحزن والحداد، واستمرت الظاهرة عدّة سنوات، حتّى تراجعت واندثرت بشكل كامل، ولم يبق منها إلا الأثر).