شهدت بعض المحافظات السورية في الأيام الأخيرة خروج مظاهرات سلمية عبّر خلالها المواطنون عن همومهم ومطالبهم، ورغم حساسية الظرف وضرورة الحفاظ على الاستقرار والسلم الأهلي، تعاملت الحكومة السورية مع هذه التحركات بروح مسؤولة وبمقاربة تستند إلى الثقة بالشعب لا الارتياب منه.
لقد أثبتت قوى الأمن الداخلي، عبر انتشارها الهادئ والمنظّم وتأمينها للتجمعات، أن وظيفة الأمن ليست تقييد الناس ولا إقصاء أصواتهم، بل حماية حقهم في التعبير ومنع أي محاولة لاستغلال مطالبهم أو تحويلها عن مسارها الوطني. وهذه خطوة تحسب للحكومة التي أدركت أن الانفتاح على المواطن هو طريق القوة الحقيقية للدولة.
إن الاعتراف بحق السوريين في التظاهر السلمي، والتأكيد على أن القانون هو السقف الجامع للجميع، يشكلان تحولاً مهماً نحو مزيد من التفاعل الإيجابي بين الدولة والمجتمع. فالدولة التي تسمع مواطنيها وتتعامل بجدية مع قضاياهم، هي دولة واثقة من نفسها، ثابتة في مؤسساتها، ومتمسكة بنهج الإصلاح التدريجي الذي يحمي الوطن ويحفظ وحدته.
ما شهدناه اليوم ليس مجرد مشهد احتجاجي تحت السيطرة؛ بل مؤشر على بدء مرحلة جديدة يُمنح فيها المواطن مساحة أوسع للمشاركة في الشأن العام، وتتمكن فيها الحكومة من قراءة نبض الشارع والاستجابة له بما يتوافق مع المصلحة الوطنية العليا.
الحفاظ على هذا التوازن بين التعبير والمسؤولية، بين الحرية والأمن، هو التحدي الأكبر. لكن ما دامت الحكومة متمسكة بخيار الحوار، ومصرّة على حماية السوريين من الفتنة والمشاريع الخارجية، فإن هذا التحدي سيتحول إلى فرصة لبناء ثقة متبادلة تفتح أبواب المستقبل.
إن الدولة التي تواجه خطاب الفوضى بخطاب القانون، وتواجه التحريض بالعقل، وتواجه القلق بالطمأنينة، هي دولة قادرة على تجاوز التحديات والانتصار لإرادة شعبها مهما عظُمت الضغوط.
ما يحدث اليوم جدير بالقراءة والتقدير، وربما يكون بداية لمرحلة أكثر نضجاً في علاقة السوريين بدولتهم… علاقة أساسها الشراكة لا القطيعة، والانتماء لاحتراب
محمد الحيجي