تتربّع مدينة ماري الأثرية على ضفاف نهر الفرات في ريف البوكمال الشرقي شاهدةً على عظمة إحدى أقدم الحضارات الإنسانية، حيث كانت عاصمة مزدهرة ومركزاً تجارياً وثقافياً مهماً قبل آلاف السنين.
اليوم ورغم كونها كنزاً عالمياً يستحق الزيارة، تحوّل الموقع إلى صورة أخرى تُجسّد واقع الإهمال وشح الخدمات، مما دفع آلاف السياح الذين كانوا يتوافدون إليها سنوياً إلى التوقف عن زيارتها، محوّلاً إرثاً إنسانياً عريقاً إلى أطلال حديثة من النسيان.
على الرغم من تصنيف المدينة كواحدة من أهم المواقع الأثرية في الشرق الأوسط، والتي اكتشفت فيها آلاف الرقم الطينية التي غيّرت فهمنا لتاريخ المنطقة، فإن الزائر اليوم يصطدم بواقع مرارة الطرق المؤدية إلى الموقع فيما تغيب أبسط مقومات الخدمات السياحية من مراكز استقبال ودورات مياه نظيفة ودلائل إرشادية واضحة، وأماكن للراحة أو توفير مياه الشرب، خاصة في ظل درجات الحرارة المرتفعة صيفاً
يقول أحد الحراس العاملين في الموقع فضل عدم ذكر اسمه كنا نستقبل في المواسم الجيدة قبل الأحداث مئات السياح أسبوعياً، خاصة من فرنسا وإيطاليا واليابان، الباحثين عن جذور الحضارة.
الآن حتى السائح المغامر الذي يصل يشعر بخيبة أمل، فلا توجد حتى لوحة تفسيرية كافية باللغة الإنجليزية لتشرح له ما يراه.
ويتجلى الإهمال أيضاً في غياب أعمال الصيانة الدورية والحماية الكافية لأجزاء كبيرة من الموقع، حيث تعاني بعض الجدران والأساسات الأثرية من التشققات وتأثيرات العوامل الطبيعية، دون وجود مشاريع ترميم كبيرة وفعّالة تليق بأهمية المكان.
مدينة ماري ليست مجرد أثرٍ من الماضي، بل هي جذور حضارية وفرصة اقتصادية حية يمكن أن تكون رافداً مهماً للتنمية في منطقة بحاجة إلى إحياء أي أمل اقتصادي.
كما أن إنقاذ هذا الكنز الإنساني يتطلب تحركاً عاجلاً وجاداً من قبل الجهات المعنية، بدءاً من تأمين البنية التحتية والخدمات الأساسية، ومروراً بمشاريع الترميم والصيانة العاجلة، وانتهاءً بحملة ترويجية عالمية تعيد لها بريقها.
إن استمرار هذا الإهمال ليس خسارة للمنطقة فحسب، بل هو خسارة للتراث الثقافي والإنساني العالمي بأسره.
الفرات

