حين تتكلم الأرقام

في بلد عانى من الحصار والحرب والتدمير، يصبح الحديث عن استثمارات بقيمة 14 مليار دولار خلال ستة أشهر أشبه بخبر من خارج الزمن، لكنه واقع اليوم في سوريا، ليس في الخيال، ولا في الوعود، بل على شكل مشاريع جارية تُوقّع وتُعلن وتُنفّذ.
لسنا هنا أمام أرقام للاستهلاك الإعلامي، بل أمام معطيات تفرض تغييراً في نظرتنا لمستقبل هذا البلد، سبعة أضعاف ميزانية الدولة السابقة خلال سنوات الانهيار، تُضخ اليوم في بنية تحتية حديثة: من مطار دمشق الدولي إلى مترو العاصمة، مروراً بمشاريع تنموية كبرى في حمص وغيرها من المحافظات.
هذه المشاريع ليست رفاهية، إنها الضرورة، وهي ليست موجّهة للنخبة، بل تمثل فرصة حقيقية لتوفير عشرات آلاف فرص العمل، وضخ الحياة في جسد اقتصادي منهك، وإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع على أسس إنتاجية لا شعاراتية.
ما يحدث ليس مجرد إنفاق مالي، بل عودة للعقل الاقتصادي السوري، بتخطيط ورؤية استراتيجية واضحة تقودها الدولة الجديدة، بقيادة الرئيس الشرع، الذي لا ينظر إلى الاقتصاد كأرقام، بل كأداة لإعادة بناء الوطن على أسس العدالة الجغرافية والتنمية المتوازنة.
والأهم من كل ذلك، هو أن هذه المشاريع تعكس عودة سوريا إلى قلب الخريطة الإقليمية، لا كمجال صراع، بل كمركز توازن وتعاون، وهنا لا يكون مفاجئاً أن يصفها المبعوث الأميركي السابق توم باراك بأنها “محور المستقبل في الشرق الأوسط”.
قد يسأل البعض: هل تكفي المشاريع لتجاوز آثار الحرب؟ الجواب ليس سهلاً، لكن المؤكد أن الاستثمار في البنية التحتية هو استثمار في السلام، في الاستقرار، وفي الإنسان السوري الذي يستحق أن يعيش حياة كريمة في وطن لا يُدار بالحرب، بل بالعقل والبناء.
لقد بدأنا نشهد ملامح لسوريا جديدة، وإذا ما استمرت هذه الديناميكية بنفس الإصرار، فقد نكون أمام تحول اقتصادي تاريخي، يعيد تموضع سوريا في الداخل والخارج، على قاعدة السيادة، والفعالية، والكرامة الوطنية
الفرات

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار