الحسكة تحت حرارة 50°: انقطاع الكهرباء للشهر الرابع وتراجع المياه يدفع الأهالي إلى سوق مظلم من الأمبيرات والصهاريج
في وقتٍ تخطّت فيه درجات الحرارة في محافظة الحسكة حاجز 50 درجة مئوية، يجد سكان المدينة أنفسهم عالقين في خضم أزمة مركّبة من انقطاع تام للكهرباء منذ أكثر من أربعة أشهر، وتراجع حاد في ضخ المياه، ما فاقم معاناتهم اليومية وجعلهم رهائن لسوق بديلة موازية تفتقر إلى الضوابط الصحية والرقابية.
انقطاع الكهرباء: أربعة أشهر من الظلام الكامل……
تشهد مدينة الحسكة انقطاعاً كاملاً ومزمناً للتيار الكهربائي منذ نيسان الماضي، دون صدور توضيحات رسمية شافية من الجهات المعنية عن السبب الفعلي، وسط تضارب في التصريحات بين الحديث عن أعطال فنية، وبين إشارات غير واضحة إلى أسباب سياسية أو أمنية تتعلق بوضع خطوط التغذية من محطات سد تشرين أو السويدية.او الطبقة
وكانت الشبكة العامة سابقاً توفر ساعتين إلى ثلاث ساعات يومياً من التيار، إلا أن هذا الحدّ الأدنى تراجع مؤخراً إلى صفر تام في معظم أحياء المدينة، ما دفع الأهالي للاعتماد كلياً على المولدات الخاصة بنظام الأمبيرات، التي تُدار بشكل شبه عشوائي وتفرض أسعارها وساعات تشغيلها وفقاً لظروف السوق.
مولدات الأمبير: بديل مكلف وخاضع للفوضى
أمام غياب الكهرباء النظامية، لجأ المواطنون إلى الاشتراك بخدمة الأمبيرات، التي توفرها مولدات خاصة غالباً ما تكون مملوكة لأفراد أو مجموعات محلية. وعلى الرغم من أن السعر الحالي للأمبير انخفض إلى حدود 26 ألف ليرة سورية شهرياً، إلا أن متوسط ما تحتاجه الأسرة يتراوح بين 2 إلى 4 أمبيرات لتشغيل البراد والمروحة أو المكيف الصغير، ما يعني فاتورة شهرية تتجاوز أحياناً 100 ألف ليرة سورية، وهي تكلفة مرهقة لأغلب سكان المدينة الذين يعانون أصلاً من تدهور الدخل وتضخم مستمر.
وبحسب ما رصدته صحيفة “الفرات”، فإن ساعات التشغيل غير مستقرة وتتراوح بين ٨ إلى ١٦ ساعة، وأحياناً تتوقف الخدمة فجأة بسبب أعطال، نقص المازوت، أو احتجاجات أصحاب المولدات على ارتفاع التكاليف.
المياه….. منازل عطشى وصهاريج مجهولة
لا تقلّ أزمة المياه حدّة عن أزمة الكهرباء. فمع توقف جزئي أو تام لمحطة علوك القريبة من رأس العين، والتي تعتبر المصدر الأساسي للمياه في المدينة، تراجعت كميات المياه الواردة إلى الحسكة إلى مستويات حرجة، وأصبح الحصول على مياه الشرب يتطلب انتظار صهريج قد يصل مرة كل أسبوع أو أكثر.
هؤلاء الباعة الجوالون يوزعون المياه دون رقابة صحية كافية، ولا يوجد ما يضمن أن المياه الموزعة غير ملوثة أو صالحة للاستهلاك، خاصة مع نقلها عبر الخزانات ، وفي درجات حرارة شديدة تزيد من احتمال نمو البكتيريا والملوثات.
ويشير مواطنون إلى أن ثمن الخزان الواحد يتراوح بين ٤٠ إلى ٥٠ ألف ليرة حسب الحي والطلب، في حين يحتاج المنزل الواحد إلى تعبئة كل 3 إلى 4 أيام. ومع انعدام الرقابة، بات المواطن يدفع لقاء مياه قد تكون ملوثة، ما ينذر بموجات مرضية (إسهالات، أمراض معوية، التسمم).
موجة الحر تضاعف الكارثة….
تأتي هذه الأزمات وسط موجة حر غير مسبوقة تضرب شرقي سوريا. فقد سجّلت مديريات الأرصاد درجات حرارة لامست 52° في بعض الأوقات منتصف تموز، ما زاد من الطلب على وسائل التبريد غير المتوفرة أساساً، وفاقم المشكلات الصحية خصوصاً لدى المسنين، المرضى، والأطفال.
العديد من العائلات بالحسكة أفادت بأن أفراداً من كبار السن أو ذوي الحالات المرضية أصبحوا غير قادرين على تحمّل الحرارة داخل البيوت المغلقة التي تحولت إلى “أفران بشرية” بسبب انعدام الكهرباء والتكييف، وهو ما يُعدّ تهديداً مباشراً للصحة العامة في غياب أي تدخل حكومي فاعل.
غياب المؤسسات.. الحضور القوي للسوق الموازية….
تُحمّل شريحة واسعة من الأهالي الجهات الرسمية والإدارية في المحافظة مسؤولية التراخي، سواء لجهة التواصل مع الحكومة المركزية أو لإيجاد حلول إسعافية مرحلية. في المقابل، تنشط السوق السوداء بتوريد المياه، المازوت، وحتى خدمات الصيانة، وسط غياب أي دور رقابي للبلدية أو مديريات حماية المستهلك.
أحد الأهالي قال للفرات: لانعرف من نلوم لا كهرباء لامياه لاتبريد ولاحتى شكاوى تصل نعيش على رحمة الأمبير والصهريج وكل يوم نختنق أكثر
أزمة ممتدة بلا أفق واضح
الأزمة في الحسكة مرشّحة للتفاقم مع استمرار الصيف القاسي، ما لم تُتخذ خطوات عاجلة من قبل الحكومة المركزية والمنظمات الإنسانية لتحسين التغذية الكهربائية، وإعادة ضخ المياه من محطة علوك أو إيجاد مصادر بديلة أكثر أماناً للمياه والكهرباء كما أن تفعيل دور الرقابة المحلية وتشديد معايير السلامة في سوق الصهاريج والأمبيرات بات ضرورة عاجلة لحماية ما تبقى من الأمن الصحي والغذائي في المدينة.
