في جنوب الحسكة، لا يُقاس الزمن بالساعات، بل بالقطرات… قطرة ماء تسقط في دلو مهترئ، فتُشعل أملاً في قلوب متعبة، وتُعيد للحياة معناها في أرضٍ صارت الحياة فيها تشبه الموت البطيء.
من قرى بلا مياه إلى بيوت تنتظر شاحنة قد تأتي… وقد لا تأتي، يبدو المشهد أكثر من مجرد أزمة خدمات. نحن أمام مأساة مركّبة، تتقاطع فيها السياسة بالمأساة، والتقصير بالإهمال، والحرمان بالصمت المريب.
مياه الحسكة ليست مجرد أزمة عطش، بل عنوان لفصل طويل من التهميش. سكان يصرخون ولا أحد يسمع، يمضون في حياتهم اليومية كما لو أنهم يعيشون في زمن غير هذا الزمن. أطفال يحملون أوعية أكبر من أجسادهم، ونساء تقف ساعات تنتظر شيئاً كان ينبغي أن يكون متاحاً كالشمس والهواء.
حملة “سقي الكرام” التي أطلقتها مبادرات أهلية، وأُنجزت بتبرعات محسنين، كشفت عورة هذا الواقع: دولة لا تروي، ومنظمات لا تصل، ووعود تُقال فقط في أوقات التصوير.
في هذه القرى، حتى الأمل صار ترفاً. حين تقول لأحد السكان إن المشكلة ستحل قريباً، يضحك بسخرية موجعة: “يعني الشمس بدها تطلع من الغرب؟”، وكأنه اعتاد خيبات الوعود حدّ البلادة.
هذه ليست مجرد أزمة مياه، إنها قضية كرامة. لأن الماء ليس رفاهية، بل حق إنساني لا يسقط بالتقادم، ولا يجوز لأي طرف أن يستخدمه كسلاح للضغط، أو يتركه رهينة للصراعات.
إن ما يحدث في الحسكة اليوم ليس فقط اختباراً للضمير الإنساني، بل تذكير صارخ بأن في هذا البلد أماكن لا تزال تُعامل كأنها خارج الخريطة، وسكانها كأنهم ليسوا من هذا الوطن.
فهل من أحد يسمع صرخة العطش هذه؟ أم أن العطش وحده من سيبقى يروي تفاصيل الحكاية؟
حجي المسواط