لم تكن تصريحات المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم باراك، مجرد كلمات عابرة في سجال سياسي متكرر، بل تحمل دلالات عميقة تُلخص المسار الإجباري الذي بات ينتظر “قسد” بعد سنوات من المراوحة في المنطقة الرمادية.
“طريق واحد فقط أمام قسد… ويؤدي إلى دمشق”، بهذه العبارة الحاسمة رسم باراك مشهداً سياسياً جديداً، تُسقط فيه رهانات “الإدارة الذاتية” على دعمٍ دائمٍ ومفتوح من واشنطن، وتعيد التذكير بأن أي مشروع خارج إطار الدولة السورية محكوم بالفشل، مهما طال الزمن.
الإدارة الأميركية التي طالما دعمت “قسد” عسكرياً ضد داعش، تقولها اليوم بوضوح: لا فدرالية في سوريا، ولا بديل عن الانخراط في مؤسسات الدولة. فهل تسمع “قسد” هذه الرسالة؟ أم أن حالة الإنكار لا تزال تسيطر على من يراهنون على مشاريع بعيدة عن الواقع السوري وتركيبته المعقّدة؟
اللافت في حديث المبعوث الأميركي إشادته بالكرد كشعب “رائع ومذهل وجميل”، لكن هذه المجاملة الدبلوماسية لم تُترجم إلى دعم سياسي لمشروعهم، ما يكشف الفرق الكبير بين التقدير الثقافي والاعتراف السياسي.
في المقابل، تُظهر دمشق مرونة غير معهودة – وفق وصف باراك – في رغبتها بضم “قسد” إلى مؤسساتها. وهذا التطور لو قُرئ بعين سياسية باردة، فسيُفهم أنه قد يكون الفرصة الأخيرة قبل أن تُغلق النوافذ أمام أي تسوية سلمية.
إذا كانت “قسد” قد تأخرت في الرد والتفاوض، فإن الوقت لم يعد لصالحها. المشهد الدولي يتبدل، والحضور الأميركي في شرق الفرات لم يعد كما كان. ووسط هذا التراجع، فإن التمسك بخيارات لا تملك الأرضية الدستورية ولا الإقليمية ولا الشعبية قد يكون مغامرة مكلفة.
ربما آن الأوان لأن تسأل “قسد” نفسها بصدق: هل الطريق إلى دمشق هو الخطر، أم الخلاص؟
الفرات