كغيرها من القطاعات نالت الرياضة المدرسية نصيبها من التهميش والإهمال خلال سنوات حكم الأسد الهارب والذي سعى الى إفراغ كل شيء مشرق في المجتمع من مضامينه الأساسية، فالرياضة المدرسية في عموم سوريا وفي ديرالزور كانت منبعا للنجوم والمواهب، لسنوات طويلة ، قبل ان تتحول إلى زاوية مهملة لا تقدم اي مفيد وابتعدت عن دورها الأساسي .
*البطولات المدرسية كانت تحظى بالمتابعة والاهتمام
الاستاذ أسعد بريجع موجه تربية رياضية سابق وأمين سر اتحاد كرة الطاولة في سوريا تحدث للفرات فقال : يتفق الجميع أن الرياضة المدرسية السورية خبا بريقها خلال السنوات الأخيرة ، بعد أن غاب عنها الاهتمام ، ودخلت الرياضة المدرسية التي كانت العصب الرئيسي في بناء الرياضة السورية بشكل عام في مرحلة من الاهمال الكبير ، وأصبح اللاعب الرياضي يصنع صناعة بعد أن كان موهبة واعدة يبدأ اكتشافه في المدرسة قبل أن ان يتم إرساله الى الأندية ومنها إلى المنتخبات.
و كانت البطولات المدرسية تحظى بالكثير من الاهتمام والمتابعة و كان ينتظرها الطلاب وذويهم وكشافو الأندية بفارغ الصبر كل موسم، فالبطولات المدرسية كانت تقام بانتظام حيث تبدأ ببطولات على مستوى الشعب المدرسية، ومن ثم على مستوى الصفوف في المدرسة الواحدة ، ثم تنتقل لبطولات المدارس على مستوى المحافظة والتي من خلالها يتم تشكيل منتخبات المحافظات لتتنافس فيما بينها ويتم انتقاء منتخبات سوريا المدرسية لتشارك في البطولات الخارجية العربية والقارية .
* منجم للمواهب والكوادر الادارية والداعم للأندية والمنتخبات
ويضيف البريجع : الرياضة المدرسية كانت في السابق هي المنجم الذي يكتشف المواهب في كافة الألعاب و معظم نجوم سوريا في السنوات الطويلة الماضية كانوا من المواهب التي تم اكتشافها في المدارس بمختلف الألعاب، وكان مدرسو مادة التربية الرياضية من المخلصين والغيورين والمتابعين الذين يبذلون الجهد لتدريب وصقل التلاميذ والطلاب رياضيا على الصعيد البدني والفني اضافة الى تنميتهم وتربيتهم أخلاقيا من منطلق أن الرياضة فن وأخلاق ، ويتم متابعتهم في الاندية والمنتخبات على اعتبار أن الرياضة المدرسية كانت ايضا الرافد الأكبر للرياضة السورية بالكوادر الادارية والفنية والتدريبية ، فمعظم اداريي ومدربي فرق الأندية والمنتخبات الوطنية كانوا من الكوادر التربوية.
وكانت باحات المدارس هي منشآة رياضية مصغرة تضم ملاعب لكرة القدم والسلة والطائرة واليد وغيرها من الألعاب الأخرى، وكانت الكرات وأدوات التدريب متوفرة الى حد كبير ، و كانت حصة التربية الرياضية مقدسة ولاتقل أهمية عن باقي حصص المواد المدرسية ، والبطولات المدرسية بمختلف مستوياتها تشكل فرصة للطلاب لإظهار مواهبهم ، فعلى صعيد دير الزور يتذكر الجميع البطولات التي كانت تقام على أرض ملعب ثانوية الفرات الذي اقيم عليه فيما بعد مبنى المتحف ، وكيف كانت تحظى تلك البطولات بالمتابعة والجماهيرية والاهتمام من أعلى المستويات الرسمية والشعبية.
ولكن للأسف كل شيء قد اختلف خلال السنوات الأخيرة، فمادة التربية الرياضية أهملت بصورة كبيرة ، وحصة المادة أصبحت حصة فراغ أو يتم إعطاء مادة أخرى عوضاً عنها، ومدرس التربية الرياضية ” الا مارحم ربي” لم يعد ذاك المربي الذي يعمل على اكتشاف المواهب وتوجيه الطالب نحو اللعبة التي تتناسب مع امكاناته الذهنية والبدنية ، وربطه مع القائمين على الاندية لمتابعة صقل موهبته ، بالتزامن مع غياب الأدوات والمستلزمات ، ولم يعد للملاعب المدرسية وجود ، لذلك ضاعت مادة التربية الرياضية وضاعت معها الرياضة المدرسية ونابت الأندية والاكاديميات الخاصة عن المدارس في استقطاب المواهب على حساب ابتعاد الطالب عن تحصيل العلم للتفرغ للرياضة ، والدليل ان معظم الرياضيين القدامى كانوا من المعلمين والمهندسين والاطباء وغيرهم من حاملي الشهادات العلمية ، على اعتبار ان من يصقله رياضيا كان تربويا يتابع الطالب رياضيا وعلميا ، بينما نلحظ أن الغالبية العظمى من اللاعبين في السنوات الأخيرة لايحملون شهادة علمية .
* كانت تسهم بدعم الألعاب كافة
الاستاذ سامر جراد الذي عمل طوال سنوات خدمته في الشأن الرياضي المدرسي من مدرس للتربية الرياضية وصولا الى مدير للمعهد الرياضي بدير الزور أوضح، أن الرياضة المدرسية في السابق كانت تولي أهمية متوازية للألعاب الرياضية كافة من جماعية وفردية للذكور والاناث ، وكان هذا الأمر يشجع الأندية على ممارسة كافة الألعاب على اعتبار ان المدارس كانت ترفد الأندية بالمواهب لمختلف الألعاب، ومع تراجع دور الرياضة المدرسية ، تراجعت الكثير من الألعاب وصولا الى تلاشي الكثير منها ، ففي حصة التربية الرياضية كان المدرس يولي الاهتمام بألعاب الكرات والألعاب الفردية ، وكانت هناك بعض المدارس تعد منبعا لبعض الألعاب لاسيما ألعاب القوى وباقي الألعاب الفردية نظرا لتوافر مواهب
تتناسب امكاناتهم البدنية والذهنية مع هذه الألعاب و تم صقلها وتوجيهها من قبل مدرسي التربية الرياضية بصورة صحيحة .
*مقترحات للتطوير
ويرى الاستاذ جراد أن الرياضة المدرسية يجب أن تستعيد دورها اليوم ، والتأكيد على تفعيلها بأفضل ما يمكن واتخاذ قرارات مدروسة وعقد مؤتمرات وجلسات لتطوير الرياضة المدرسية والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال بحيث يتم خلالها بحث عدة محاور مثل التعليم الرياضي والمناهج، وتشكيل لجان أكاديمية لوضع مناهج جديدة للالعاب كافة و نشر الثقافة الرياضية وتصحيح مفاهيم الرياضة بصورة عامة ، و توفير الموارد اللازمة لتحسين البيئة الرياضية المدرسية، وإنشاء المدارس الرياضية التخصصية، والانطلاق بالرياضة المدرسية النوعية، وإنشاء أندية مدرسية وإعادة تفعيل البطولات المدرسية وتطويرها، وإعادة تأهيل الصالات الرياضية المدرسية ، ورفع السوية المهنية لمعلمي التربية الرياضة، ووضع حوافز مادية للمتفوقين والمتميزين منهم .
صحيفة الفرات