شكلت زيارة الرئيس الأسد لدولة الإمارات العربية الشقيقة حدثا هز العواصم الإقليمية والعالمية، وضجت وسائل الإعلام الكبرى بتحليلات –على هواها طبعا- كما ضجت وسائل التواصل بآراء ممن يؤبه لهم، وممن لا يؤبه لهم، والملفت هنا أن كل هؤلاء أجمعوا على أربع قراءات للزيارة، وإن كان بعضهم قرأها هنا بعبارات تختلف في اللفظ لا في المضمون عمن قرأها هناك.
أول القراءات المجمع عليها بين وسائل الإعلام والتواصل على اختلاف عباراتها أن الرئيس الأسد خرج منتصرا عسكريا من الحرب العالمية على بلده وشعبه، وتمكن من هزيمة أشد دول العالم مكرا وسطوة وإمكانيات فوضع بهذا نقطة انطلاق جديدة بدأت في سورية وها هي تثمر في أوكرانيا، وستستمر إلى ما بعد بعد أوكرانيا، وها هو الرئيس الأسد يتمكن اليوم من صد الهجوم الاقتصادي الوحشي الذي يستهدف حياة السوريين بكل تفاصيلها من وسائل وأدوات ومصادر إنتاج.
انتقال المجتمع السوري بكامله من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم أمر مشهود وتعرفه العواصم وقادتها، وهذه أولى الرسائل التي حملها الرئيس الأسد للإمارات، لقد تغيرت المعادلات الإقليمية والدولية، والدور السوري قيادي في هذا التغير، ولم يعد العالم كما هو أحادي القطبية، فروسيا فرضت زعامتها عسكريا والصين اقتصاديا ومن ورائهما دول المحور التي انتصرت بكل الحروب شبه الساخنة.
كذلك قرأت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من كبيرها لصغيرها ومن مذكورها وغير مذكورها رسالة الرئيس الأسد الثانية، وهي أن خريطة العالم الاقتصادية الثانية تغيرت بعد النصر الساحق في سورية، والنصر المحتوم لروسيا على النازيين الجدد في أوكرانيا، وما بعد بعدها، نصر على الإرهاب في الشرق ونصر على النازية في الغرب، كل هذا له تبعاته الاقتصادية العالمية، وهكذا قرأ الجميع زيارة الرئيس الأسد كمهندس للاقتصاد العربي الجديد.
تأتي مكافحة التطرف والإرهاب كرسالة ثالثة حملها الرئيس الأسد للإمارات، فهو وجيشه وشعبه الأكثر خبرة بها، وبرغم كل الإمداد الدولي الوقح والمعلن عنه والخبيث وغير المعلن عنه لهذا التطرف والإرهاب والتسويق لهما فشل فشلا ذريعا كما أثبتت التجربة السورية، وثبت عقم الاتجاه برمته مجتمعيا وتاريخيا، وصار المبدأ الثابت هو ما قالته سورية من أول (سلمية مخادعة): لا مكان للإخوان المتأسلمين وفروخهم من التنظيمات كالقاعدة على الأرض العربية.
أهم الرسائل هي الرابعة، وقد وضعها الإعلام اخيرا وهي بالنسبة للرئيس الأسد أولى الأولويات مطلقا، وهمه اليومي، إنها شعبه، والحصار المجرم الوحشي عليه، وسبل فك طوقه، بمنتهى الوضوح كانت الكلمات الأولى لأسد الشام في الإمارات أن شعبا ضحى وقاتل دفاعا عن كل العرب بل والعالم لا يجب أن يحاصر، بل أن يُتخذ قائدا وقدوة لشعوب العالم.
عالم جديد قادم، لا أحادية فيه للقرار، ولا تطاول على سيادات الدول، ولا دعم وقح أو خبيث للإرهاب، سورية تمكنت من دفن مخطط اشتغلوا عليه لسنوات، وأنفقوا في مئات المليارات من الدولارات التي لو كانت صُرفت في استثمار قوة الشعب السوري، وقوة العرب ووحدتهم لما وصل العرب إلى هذا المنزلق الخطير من الضعف والتشرذم، ولا وصل الغرب إلى الفزع من كائنات مشوهة مسخة هو التي صممها بيديه، تبت يداه وما كسب !! هكذا تكلم الأسد في الإمارات.. لا تنشغلوا بأوكرانيا فأمرها محسوم، انتظروا ما بعد بعد أوكرانيا.
محمد الحيجي