دمشق-سانا
آثار وتداعيات سلبية تظهر ملامحها بشكل متزايد على الأوضاع المعيشية للمواطنين السوريين نتيجة استمرار عدد من الدول الغربية بفرض الإجراءات الاقتصادية أحادية الجانب على الشعب السوري.
الحرب الاقتصادية التي يمارسها أعداء سورية بأدوات مختلفة عبر منع التبادل التجاري مع كثير من الدول أو التجييش الإعلامي أو معاقبة كل من يمول ويساعد سورية تسعى إلى تحقيق آثار قريبة وأخرى بعيدة وترمي إلى خلق مشاكل اقتصادية تثير التناقضات داخل المجتمع وتسعى إلى بث الشقاق في صفوفه إضافة إلى التأثير على المناخ الاستثماري الذي يتحسن جراء استعادة الاستقرار بعد سنوات من الحرب على الإرهاب عبر تطفيش رجال الأعمال والمستثمرين .
وأبرز ما تسعى إليه هذه الإجراءات القسرية هو كبح حركة الإنتاج المحلية التي يصر السوريون على إعادتها وتنشيطها رغم كل محاولات الدول المعادية تهديمها وإثبات عدم وجودها بهدف تحويل سورية من دولة منتجة إلى مستهلكة تابعة لهم وهو ما لم ولن يحدث طالما يمتلك أبناء سورية هذه الإرادة على الصمود والعمل.
تأثير العقوبات الاقتصادية القسرية والحصار الاقتصادي ليس بالجديد على الأحوال المعيشية للمواطنين وهي مازالت مستمرة كما أوضح المحلل الاقتصادي شادي أحمد لـ سانا مبيناً أنه منذ بدء الدول الغربية بمنع استيراد النفط من سورية الذي كان يعود بإيرادات كبيرة على البلد تأثر الدخل السنوي للميزانية بالعموم وبالتالي تأثرت قدرة الحكومة على توفير احتياجات السوق المحلية من السلع الأساسية كما كان الحال قبل عام 2011 والهدف من ذلك التشكيك بقدرة الدولة على توفير متطلبات المعيشة والإنتاج لكن ذلك لم ينجح عبر السنوات السابقة.
من جهة ثانية ساهمت عوامل أخرى في زيادة الضغط على الأحوال المعيشية للمواطنين وفق أحمد ومنها منع بعض الناقلات النفطية من دخول المياه الإقليمية السورية رغم أن سورية اشترت هذه المشتقات وهذا أمر مخالف للقانون الدولي ولكن النتيجة الحاصلة أن موارد الطاقة لم تصل نتيجة الحصار الاقتصادي وبالتالي حدوث أزمات على المواد الأساسية في فترات معينة إضافة إلى فرض الاتحاد الاوروبي إجراءات تقييدية عقوبات على مجموعة كبيرة من رجال الأعمال السوريين بهدف تقييد حركتهم التجارية التي كانت تساهم في تأمين الكثير من المواد والسلع للسوق السورية.
إضافة إلى العوامل السابقة أشار أحمد إلى قرارات تقييد التحويلات المالية للسوريين في المغترب لأهلهم في سورية في الفترات السابقة التي أدت أيضاً إلى إحداث ضرر بقيمة الدخل الفردي الذي كان يساعد المواطن في تأمين احتياجاته بمساعدة هذه التحويلات.
وبين أحمد أن المشروع الأمريكي الأخير الذي سمي قانون سيزر أو قيصر يهدف أيضاً إلى معاقبة الشركات غير السورية سواء من روسيا أو الصين أو الهند أو غيرها في حال كانوا يمدون الاقتصاد السوري بالمواد الأساسية التي يحتاجها المواطن مستهزئاً من ادعاء مجلس النواب الأمريكي بأن هذا المشروع يأتي تحت مسمى حماية المدنيين في سورية في الوقت الذي تهدف مضامينه إلى قطع الإمدادات الرئيسية والاساسية للمواطنين السوريين بينما تواصل الطائرات الأمريكية ارتكاب المجازر بحق السوريين في دير الزور بعد أن هدمت مدينة الرقة فوق رؤوس سكانها.
وصوت مجلس النواب الأمريكي في الـ 22 من كانون الثاني الحالي على تفعيل مشروع قرار سيزر لفرض حزمة إجراءات جديدة ضد سورية وحلفائها يستهدف المشروع كل من يمكن أن يساهم في تمويل وتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار أو توفير الدعم لقطاع الطاقة السوري إضافة إلى الشركات التي تقدم قطع غيار لشركات الطيران السورية والبنك المركزي السوري.
وعزا المحلل السياسي معد محمد في تصريح لـ سانا أسباب تشديد الخناق في العقوبات على سورية حالياً إلى أن دول العدوان أصبحت أمام حقيقة أن سورية على طريق الانتصار بعد نجاح الدولة السورية بالتعاون مع حلفائها في التقدم في الجانب السياسي والاقتصادي ربطا بالتقدم الميداني للجيش العربي السوري على الأرض موضحاً أن العوامل والانتصارات السابقة أدت إلى انفراجات متعددة لمسها المواطنون في الكثير من الأمور لفترة من الزمن لكن العدوان لم ينته والدول المعادية عندما شاهدت هذه الانفراجات سعت إلى إيجاد طرق جديدة لتضييقها من خلال مجموعة من العقوبات المترافقة مع عقوبات على الدول الداعمة لسورية ومنها العقوبات المطبقة على العراق والأخرى المطبقة في عام 2018 على إيران والعقوبات التي تشمل الشركات الروسية وغيرها ضمن مشروع القرار الذي ظهر مؤخراً.
ووصف المحلل محمد الوضع الحالي بـ حصار من نوع جديد.. حرب اقتصادية شرسة مبيناً أن الاستنزاف الكبير خلال الـ 8 سنوات الماضية لمقدرات الاقتصاد السوري نتيجة العقوبات الاقتصادية أدى إلى انعكاسات معيشية تمثلت في النقص بموارد الطاقة وهو مشهد ليس بالغريب في ظل ظروف الحرب بأي دولة وهو ما يجب أن يتنبه إليه الجميع بأن الحرب لم تنته بعد وتداعياتها مستمرة وتأثيرها كبير على مقدرات الدولة وقال: ” ما قيمة أن تملك الدولة إمكانية دفع ثمن ناقلات نفط مثلا لكن تلك الناقلات لا تصل نتيجة العقوبات أو الاعتداءات التي تقوم بها الأذرع الأمريكية”.
ودخل عامل جديد على العملية المستهدفة للشعب السوري حسب رأي محمد وهو الصفحات الصفراء على مواقع التواصل الاجتماعي مبيناً أن هناك من يسعى إلى ركوب موجة حاجات الشعب السوري بهدف تأليبه على حكومته وخلق شرخ وطني يمكن استغلاله لإثارة الفوضى لكن لن ينجحوا بذلك.
ووفق ما سبق رأى محمد أن الأحوال المعيشية ستتعرض لفترات متتالية ومختلفة من الانفراجات والضيق على حد سواء ريثما ينتج الحل السياسي النهائي لأنها معركة اقتصادية من نوع جديد مشيراً إلى ضرورة اجتراح الحلول من قبل المعنيين لتوزيع الموارد المتاحة بأقصى درجة من العدالة ومراقبة حركة السوق وهنا يبرز الجهد الذي تبذله الحكومة لإيجاد الحلول وتوفير الحاجات الاساسية للمواطنين مع استمرارها بتنفيذ أولوياتها الاقتصادية والتنموية.
وشدد محمد على أنه لا بد من اعلاء الصوت بأن الدولة والشعب والحكومة والجيش هم روافع صمود سورية وعلينا رص الصفوف للتعامل مع هذه القضية ومواجهة العقوبات الجائرة والعدوان السافر الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وبعض الدول العربية على حد سواء.
يشار إلى أن مجلس الوزراء خصص جلسته يوم أمس للخروج بخطة بديلة تتضمن جملة متكاملة من الإجراءات لمواجهة العقوبات الاقتصادية أحادية الجانب والقسرية على الشعب السوري وحدد أولويات عمل ومهام الوزارات خلال المرحلة المقبلة من خلال الاعتماد على الذات والتركيز على المشاريع ذات الطبيعة الإنتاجية صناعيا وزراعيا وإلزام الجهات الحكومية بتنفيذ خطة إحلال المنتجات المحلية مكان المستوردة إضافة إلى تعزيز الموارد والاستثمار الأمثل لأصول وممتلكات الدولة للوصول إلى الاكتفاء الذاتي وحصر شراء الجهات العامة مستلزماتها من المنتجات المحلية.