افتتح جسر الرقة القديم للنقليات في العاشر من حزيران عام 1942، وللجسر في ذاكرة أهل الرقة وريفها ألف ذكرى وحكاية، أعطاهم فأحبوه، ووصلهم بالعالم فعشقوه، وأسعدهم فتغنوا به، في أفراحهم، وأعراسهم، والتراث الغنائي الرقي يحمل أجمل المعاني وأروع الصور عن جسر الرقة.
يبدو أن لعلاقة الجسر بنهر الفرات السبب الوجيه لوروده بأهازيج العشق والغرام في أغاني الفرات، فلقد كانت الصبايا الملاح فيما مضى من الزمان يذهبن مع بعضهن البعض لجلب الماء، فيحملنه على رؤوسهن بطريقة فريدة من القدرة على التوازن، وكان العشاق من الشباب يقصدون الجسر للمشي الذي يريدون من وراءه الظفر بنظرة أو سلام ممن يحبون، فأورد ذلك الشعراء الشعبيون بقصائدهم، فها هو الحبيب الغالي يمر من فوق الجسر، ويشير إلى حبيبته السائرة مع صويحباتها بالسلام، لكنها لا تستطيع أن ترد على سلامه خشية أن يفتضح سر حبهما، فتقول الأغنية:
من فوق جسر الرقة سلم علي بيدو/ ماقدرت أرد السلام خاف يقولون تريدو
والأم الرقّية تشبه أولادها وفلذات كبدها وهم يسيرون فوق جسر الرقة بالغزلان، بل إن أحدهم يشبه الضابط الألماني بجماله ومشيته، فتقول الأغنية: (من فوق جسر الرقة عدّن ثلث غزلاني، حازم وفرحان الجخَّه ومؤيد ضابط ألماني)، ولفظة جخَّه تعني الجيد الحسن، أما مفهوم العشق عند الفتاة الرقّية، فأجمله ما كان عشقاً عفيفاً صادقاً، يتوج في النهاية بالزواج واللقاء، فتقول الأغنية: (من فوق جسر الرقه زتَّم عليَّ وساده لا تزعلن يا بنيات الزين عشقو وراده)، وأجمل لحظات العشاق، السير فوق جسر الرقة عند لحظات الغروب، حيث يرسم الشفق الأحمر لوحات رائعة على صفحات الفرات الخالد، فتقول الأغنية: (يا شويق هات اديتك عالجسر تانتمشى غابت علينا الشمس وآني أنقش لك ممشَّه)، ولفظة اديتك هي تصغير محبب لدى أهل الرقة لكلمة يدك، ولفظة ممشَّه تعني المنديل المطرز.
أما الشاعر الدكتور باسم الحاج، فيرى الورود تنثر من فوق جسر الرقة، فتطير في الهواء مالئةً الجوَّ بعبقٍ سحري، فيحذر الفتيات من عشق شباب قبيلتة البياطرة، لأن عشقهم يكوي القلب ويضني الكبد فيقول: (من فوق جسر الرقة نثرم ورد طياري ووصيكن يا بنيات من عشقة البيطاري)، أما الشاعر الشعبي الأستاذ محمود الذخيرة فقد أعطانا لوناً غنائياً جميلاً، وصوراً تراثية رائعة، فهاهو الحبيب الغالي يسير الهوينى على جسر الرقة، لكن حبيبته تذكره بموعد اللقاء لركوب السفينة الصغيرة، لتسير بهم فوق صفحة الفرات الخالد فيقول: (من فوق جسر الرقة عاللون اللون، يمشي الغالي بهواده يا سمر اللون، آني وانت تواعدنا عاللون اللون، تا نركب بالطراده ياسمر اللون)، وفي الصورة الثانية تلقي المحبوبة بخاتمها لحبيبها، وهي تسير فوق جسر الرقة، وهو يرى أن هذا الحب لابد أن يتوج بقبلة من شفاه الحبيبة، مستحلفاً إياها أن تعطيه هذه القبلة إكراماً لأهلها الأموات، فيقول: (من فوق جسر الرقة عاللون اللون، طوح علي بخاتم ياسمر اللون، خليني أحبك بثمك عاللون اللون، كرما لأهلك الماتم ياسمر اللون)، ولفظة اثمك تعني فمك، ولفظة الماتم تعني الذين ماتوا